كان ذلك أسعد صباح فى المدرسة الابتدائية , و لما لا و قد طالبنا الناظر والمدرسون بمغادرة المدرسة عقب الحصة الأولى , لم ندرى ما السبب و لكننا كنا نحلق من فرط السعادة .
-->
من بعيد جاءتنا هتافات خفيتة مع ارتفاعها ارتجت الأرض من تحتنا , غاب عنا سعيد النمام ثم عاد ليخبرنا عن مظاهرة قادمة من الثانوية باتجاهنا .... قال انهم يتحدثون عن قتل الحكومة لعسكرى , لم نفهم ماذا كان يعنى و أشك أنه كان يعى ما يقوله .
-->
عندما حاذونا ميزت هتافهم (( المعقول المعقول إن سليمان مات مقتول))
اندفع طلاب مدارس الصنايع و الاعدادى بغتة الى الشارع و التحموا بأقرانهم من الثانوية مشاركين فى الهتاف ((سليمان خاطر قالها في سينا قال مطالبنا وقال أمانينا))
-->
انضم زملائى الى المظاهرة ربما بدافع الفضول و ربما التسلية , و بقيت مع البعض على الرصيف أتجمد رعبا دون سبب مفهوم .
بعد دقائق دوت صافرات الشرطة متبوعة بسيارات الامن المركزى من حاملات الجند , الا أن ذلك لم يدخل الرعب فى قلوب الطلبة فبقوا يهتفون فى تحد للشرطة .
-->
نزل من سيارة الشرطة ضابط كبيرثم رفع بنطاله ليغطى كرشه الضخم ثم رسم على فمه ابتسامة اصفر لها الكون و خطب الطلبة , كان خطابه يجمع بين الترغيب و الترهيب منهيا حديثه بترك الفرصة لهم للرحيل خلال خمس دقائق فاقشعر بدنى.
-->
لم يغتنم الطلبة الفرصة و ظلوا ينشدون هتافاتهم فى تحد , مع نهاية المهلة أعطى الضابط أوامره ففتحت أبواب حاملات الجند ليهبطوا مسرعين الى الطلبة معززين بعساكر المركز .
ازالت غزيرة حب البقاء قيود الرعب من قدمى فجريت , كنت أسمع صرخات متلاحقة و صوت عصى تتحطم فوق سواعد و هامات حتى فرغ مخزون الشجاعة من الطلبة ففروا , تبعنى بعضهم الى زقاق وسط مطاردات العسكر و المخبرين , أحاط مخبران بى و بطالب من الهاربين , لم يبديا اهتماما بى و شرعا فى الامساك بالطالب , لكنه كان قويا فدفع أحدهما بقوة فارتطم رأسه بالجدار بعنف فسقط مغشيا عليه , اخرج زميله عصا و حاول ضرب الطالب الا انه استخلصها منه و اطاح بها بعيدا , اسقط فى يد المخبر فاخرج مسدسه و وجهه للطالب كى يستسلم , برك الشاب فاقترب منه المخبر موجها له سبابا قذر , اندفع الشاب فجاءة و حاول استخلاص المسدس , بدا انه اقترب من ذلك الا أن المخبر استمات على المقبض ثم انطلق صوت مفزع و سقط الطالب و تدفق الدم غزيرا من جسده , ابتسم بوهن و أشار للمخبر و هو يقول
-->
- أصدقاء الاسرائيلين .
-->
طغت على عينيه لمعه متزايدة حتى صارت كنجم فى ليل بهيم ثم خبت سريعا كما لو انها هوت الى قاع سحيق و سكن الجسد , كان المخبر متحجرا و كان عرقه المنهمر غزيرا يتحدى برودة الشتاء القارص فى يناير , تنبه و التفت الى و صرخ فى فرفعت رأسى و نظرت اليه للمرة الأولى وغرقت فى الدهشة, كان المخبر جارنا عم عمر , كنت ابكى طوال الوقت دون أن أدرى و لم اعرف هل أتوقف ام استمر فى بكائى , كان عم عمر يملأ جيبه بالحلوى دوما ليوزعها على أطفال الشارع , إلا أن الرجل الذى كان أمامى كان شديد الاختلاف عنه , نظرته كانت أقسى و صوته اشد عنفا و رهبة .
-->
انضم الى أخى طالب الاعدادية و كأنه جاء من الهواء و أشار عليه بالتوقف و إلا أخبر أبى , لم يبد على المخبر الاكتراث و رفع فوهة المسدس باتجاهنا فأغمضت عينى و شرعت فى البكاء منتظرا عودة الصوت المفزع الا ان الوقت مر و لم يحدث فتحت عيونى فلمحت المخبر يعدو هاربا حاملا زميله فيما جاء من الجهة الاخرى رجال يستطلعون الخبر بعدما سمعوا اطلاق النار , كان أخى ينتفض بعنف رعبا الا انه اشار الى الجهة الاخرى من الزقاق و قال
اتكئت بدلال على نافذة السيارة و عبرت برأسها القتال الى داخلها و همست بشفتين مكتنزتين و عينين كحلهما الغنج ضاغطة ببطأعلى كل حرف بدلال ساحر - لم أرى عينين رائعتين حزينتين واسعتين مثل عينيك يااستاذ عربى . باغتنى عرق منهمر كسيل و صم اذنيى ضجيج دقات قلبى المتسارعة كضجيج طبل افريقى متوحش , تعوذت من الشيطان و تمسكت بالاعراف و الآداب و الدين و حب الجنة الا ان الشيطان بكذبه المنمق و فتنه الساحر كانت كفته راجحة لولا صفاقة لسانى التى هزمته بالقاضية ,مسحت العرق من صلعتى و قلت ساخرا - لو آل الأمر للعيون لفاز البقر تلاشت الصدمة من وجهها ببطأ و نأت بجسدها اللاهب عن سيارتى و قالت غاضبة - جمال عيون الحمار لم تمنعه ان برفس مطعمه كنت سعيدا بمآل الحوار الى عالم الحيوان و ابتعادها عنى بجسدها المتفجر بالسحر الا ان لسانى ا...
عندما إحتدمت المناقشة بيننا حول أفضل الرجلين حاول أخى تهدئة طبعى النارى بالبسمة فسأل إبنته ذات الأعوام الخمس والتى كانت تلهو بدميتها بين أقدامنا - أيهما تحبين أكثر ..... عبدالناصر أم السادات ؟ إبتسمت الصغيرة خجلا ثم قالت ببراءة - - أحب عمر . تبادلت و أخى نظرات العجب و الدهشة ثم قلت لها - - أيهما تقصدين بن الخطاب أم بن عبدالعزيز . نظرت إلينا إبنة أخى بدهشة ثم صرخت ضاحكة فى عناد طفولى - إبن خالتى .
تعليقات