شرطة (5) ما بعد التنحى (1)


كانت السعادة بداخلى اكبر من ان تحتويها جدران المنزل فقفزت الى نهر الشارع الذى امتلأ عن آخره بالبشر , كان الكل سعداء يبتسمون لمجرد رؤيتك فى عصر سادت فيه الكآبة ,  كان البعض لا يتمالك نفسه فينفجر ضاحكا أو يحدث نفسه و بداخله مزيج من شعور بالفخر و عدم التصديق لما تم , و كانت جماعات تتناثر على جنبات الطريق تناقش ما حدث بلا منطق فى جزل .

لم أكن أعرف الى أين المسير فتركت جسدى الى التيار فقذفنى الى مركز الشرطة , توقفت مع الجمهرة , كان الكل منخرطا فى نقاش محموم و بين الفينة و الأخرى يرفع أحدهم عينيه رامقا مبنى المركز فى انتظار أن تفتح نافذة و يطل منها أحد أو أن يخرج علينا أحد ليطمئننا بأن الشائعات كاذبة .

كانت الشائعات قد تناثرت عن عربات محملة بالبلطجية قادمة لاثارة الشغب فى المدينة  بعد تنحى مبارك , لم يعرف أحد مصدرتلك الشائعات  إلا أنها صارت لصيقة بكل لسان يتحدث , و بين الفينة و الاخرى كان يمر علينا رجل ليخبرنا بأن العربات قادمة من الجهة القبلية او البحرية .

بعد أمد خرج الينا رئيس المباحث مقطب الجبين ليخبرنا  بأن نقاط الشرطة فى قرى المركز رصدت ثلاث عربات قادمة من الناحية البحرية محملة ببلطجية مسلحين ببنادق آلية , كان حديثه يفيض بالحماسة و الاخلاص عن رد الأهالى الجميل للمدينة و الثورة بالتوجه لملاقاة البلطجية بينما تتمركز الشرطة فربما فاجأ البلطجية المدينة و سلكوا طريقا آخرا .

لم تمض سوى دقائق حتى تمركزنا على اول الطريق انتظارا لوصول الغزاة , الا ان الوقت مر بطيئا بلا جديد , و بين الفينة و الاخرى كان الرجال المسلحون بيننا على الخط الأول للقتال يستوقفون السيارات القادمة من ذلك الطريق لسؤالها عن البلطجية فكان النفى جوابهم حتى استوقفنا احدى السيارات القادمة فذكر انه قادم من المدينة المجاورة عبر الجسرالعلوى بعدما اغلق جيراننا الجسر الصغير الذى يربط المدينتين عبر النيل خوفا من بلطجية ذكر انهم قادمون من مدينتنا .



تبادلت نظرات متشككة مع المجاورين لى ثم تحركنا الى الخلف باتجاه المركز , لم نشأ أن نخبر الباقين بشكوكنا خوفا من ترك الطريق بلاحراسة فلربما كان الضابط صادقا , الا انه بعد حين تأكدت شكوكنا حينما لمحنا دخان كثيف يتصاعد من جهة المركز فعدونا نحوه . 


بعد حين سمعنا دفعات متتالية لرصاص فنظرنا للخلف نستجدى العون فوجدنا المدد فى إثرنا فتابعنا السعى , كان المشهد مروع بحق , كان النيران تطقطق متلذذة بإلتهام الأسقف الخشبية للمبنى الأثرى و انتشر الدخان فى المكان فعزت الرؤيا , و من بين ستائر الدخان كان يخرج علينا رجل من السجن العمومى يشبه رجال الكهف ليحدق علينا بنظرات زائغة لبرهة ثم يدرك الحقيقة لينطلق هاربا  فيما كان بعضهم يبحث فيما بيننا عن بعض من رجال الشرطة الذين ساموه سوء العذاب ليذيقهم من ذات الكأس ,قيل لنا ممن شهدوا الواقعة أن أهالى المدانين هم من أطلقوا النيران للتغطية على هروب أحبائهم بالاتفاق مع بعض المخبرين و أن من بقى ليخرج علينا ليسوا سوى بعض التافهين من المجرمين .



من بعيد أتت صفارات انذار سرعان ما تعززت برؤية عربة إطفاء يقودها عسكرى اطفاء أخذ السيارة الى منزله خوفا من تحطيمها او سرقتها , ساعدناه حتى تمكن من اطفاء المبنى فانتشر فى الجو عطن الخشب المطفئ فيما تراقصت على استحياء ألسنة دخان متخاذلة ,و اندفع بعض الصبية الى داخل المبنى و غابوا الى بعض الوقت ثم ظهروا , كان البعض محملا بحرز مخدر أو سلاح أو حمل البعض مجرد حذاء ... المهم أن يحمل شيئا يعزز وجوده ى المكان و يمكنه من أن ينسج بعض القصص الخرافية التى تظهر بطولته .

كان بداخلى شعور بالخوف و التردد و العجز , الغريب أنه كان الشعور العام بمجرد النظر الى وجوه من حولى , قطع الصمت رجل يعدو قادما نحونا ليخبرنا برؤيته لرئيس المباحث و هو يستقل القطار  نافثا دخان سيجارته بتلذذ و هو يشاهد احتراق المبنى , علا اللغط لفترة بين التصديق و الرفض حتى عززت رواية الأخرى رواية الرجل فعلا صوت جهورى يأمرنا بالعودة كى نحمى بيوتنا , فانطلقنا كالموتى الأحياء نتخبط بحثا عنها آملا فى النجاة  . 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المنادى(قصة قصيرة )

طابور الحمير (قصة قصيرة)