ليز باركر
ذلك الصباح لم يكن هادئا و رتيبا كما توقعت ,
فما أن دلفت إلى السيارة حتى توالت من فم السيدة/ ليز باركر عبارات الشكاية و التأفف
-
يا الهي.... انظر ....التلوث يعشش في سماء
القاهرة حتى عزت الرؤية بالعين المجردة.
-
ما أفظع الازدحام المروري
هنا , ألا يوجد هنا من يحترم أبسط آداب
المرور ؟!!! .
كانت المرة الأولى التي أرى فيها السيدة/ اليزابيث التي صدف أن
زوجها السيد /باركر رئيسي في العمل و الذي
لم يملك الوقت الكافي أو الرغبة لأخذ زوجته في جولة لزيارة معالم القاهرة فقرر إسناد المهمة
إلى أكثر مرؤوسيه اتقانا للانجليزية و الذي صدف أنه أنا .
كانت السيدة اليزابيث أو ليز كما طلبت أن
أناديها تقترب من نهاية عقدها الرابع ,
شقراء ترتدي ثوبا فضفاضا بحملات, يشبه الكليم أو ستارة حمام لكنه بدا جميلا عليها,
فيما انتعلت بعملية حذاءا خفيفا حتى تسهل حركتها , وبدا صدرها الناحل مملوءا
بالكلف الذي تأمل ككل غربية أن يتبخر تحت أشعة شمس القاهرة, و على يدها استقر كلب
ابيض صغير كانت مهارة و سرعة الفريق
القانوني في الشركة في إخراجه من المحجر الصحي بالمطار مثار إعجاب و دهشة الجميع ,
كان الكلب ضئيل الجسد يتحسس بلسانه و أنفه الأسود ما بين ساقيها بطريقة أثارت
بداخلي الاشمئزاز و الشك , حاولت أكثر من مرة أن تقرب منى الكلب لأقبله لكنني جفلت
و ابتعدت فظنت أنني أخافه فشرحت لها
بطريقة مبسطة كون الكلب نجس فبدا على وجهها أنها صارت أكثر تصديقا للخرافات التي
حاكها في الغرب عن تشددنا .
في الطريق من المعادى مررنا بالمتحف القبطي ثم
المصري فخفت نظرات التعالي و الدونية إلى الشعب المصري و بدت ليز أكثر ودا و هدوءا
و مرحا و فكاهة كمعظم الأمريكيين , لكن الهدوء لم يعم السيارة كما توقعت , و كيف
يسود؟!!!!!!! و الكلب ألفيس يبادلني العداء مذ رفضت تقبيله , و ينبح بجنون كلما نظر إلى فيزداد صداعي كما لو أن النباح داخل رأسي .
أمام الأهرام بدت ليز شديدة الذهول... شديدة
الخرس و تهاطلت دموعها
فجاءة دون أن تدرى , و بدا أن ثقل الحضارة
يرزح على كتفيها , و لكن لمعة الانبهار بعينيها كانت تزداد اشتعالا بمضي الوقت الذي
بدا أنها لا تعطى له بالا حتى مرت ثلاث ساعات و هي لاتبرح الاهرام .
في النهاية امتثلت حزينة لرغبتي و رحلنا , كانت ليزا شديدة الصمت
زاهدة في الحديث حتى أنها نهرت بحزم ألفيس فصمت هو الآخر , و بدا أن ثقل الحضارة
يرزح على كتفيها حتى أنها قررت الاكتفاء بما شاهدته اليوم و قررت أن تتجول في
الشوارع مستنشقة بعض الهواء العليل حتى تعتاد على الصدمة الحضارية و المعرفية على
أن نعاود الجولة غدا .
بدت ليز في غاية السعادة و النهم للشراء و هي
تتجول في خان الخليلي و بداخلها شعور متعاظم بأنها سقطت إلى غابر الزمن حيث سندباد و ألف ليلة و ليلة و بدا ألفيس هو الآخر
سعيدا بالتجول حرا بين أقدام ربته , كنت في المقابل شديد الفخر بنفسي لنجاحي في
مهمتي حتى امتدت كف متحرش خبيرة و ضغطت مؤخرة ليز التي جفلت منتفضة فيما علا حاجبها
الأيمن دهشة , توقعت أن تطلب سفارتها ....
أن تطلب الشرطة .... أن تملأ الطرقات بالصراخ ........... أن تسب مصر والمصريين
المتحرشين ..... أن تتصل بزوجها لتخبره منهارة بما حدث و تطلب فصلى من العمل , إلا
أن ابتسامة قصيرة للغاية مرت على شفتيها كشهاب أنبأتني بغير ذلك , و بدا بعينيها
بريق يلتهب أكثر بمرور الثواني معلنا يقظة امرأة ماتت بداخلها الأنوثة من سنوات ,
عم الصمت لفترة ثم تمتمت متلذذة بخفوت
- هل يعقل .... يا الهي....أمر لا يصدق !!!! .
تعليقات