همج

همج
 سمعت كثيرا عن قريبي الأستاذ سعد  إلا أنني لم ألتقيه إلا مرة كنت فيها في القاهرة مع قريب آخر لمقابلة عضو مجلس الشعب عن دائرتنا , و صدف أن الأستاذ   سعد  كان على موعد مع عضو مجلس الشعب هو الآخر .

وقفنا أمام مبنى وزارة الصحة في انتظار سيادة النائب و دار بيننا تعارف سريع استجلب دهشة الكون لتستقر على وجه الأستاذ سعد وهو لا يصدق إن ذلك الرضيع الذي رآه على كتف أمي قد نمى و بلغ على النحو الذي صرت عليه.
سألني مائة سؤال عن أبى و أمي  و جدي و جدتي و كل فرد بعائلتي وسط بسمات متبادلة انتهت من جانبي عندما أخبرني بصفاقة أنى أمي رفضت طلبه للزواج منها .... اخبرني بثقة أنها تدرك الآن كم خسرت برفضه , ثم زاد سخطي عليه عندما ربت على كتفي و هو يخبرني بأنه لوسارت الأمور على نحو سعيد  لكان هو أبى .

كان  ثرثارا على نحو يفوق التخيل , حتى مع تجاهلي لحديثه و العزوف عن المشاركة في الحوار معه لم يتوقف عن الحديث , حكي عن انجازاته  المهولة كرئيس لمدينة ارتقى بها إلى مصاف عواصم المحافظات لدرجة جعلت الصغير و الكبير يشيد به  لتصل إخبار انجازاته إلى القيادات .

انفجر بالون غروره و نرجسيته غضبا و  زعق بجنون عندما لمح  سيارة ريتمو صفراء تجر غص شجرة  وبداخلها شابان  يضحكان
-        همج ..... شعب همجي .

نهرني  قريبي الآخر بنظرة راجية  إلا أنني نكزت الأستاذ سعد في كتفه بغلظة و انا أسأله
-        من الهمج .... و من الشعب الهمجي ؟
لمح بوجهي غضب أخافه لوهلة لكنه رتب على كتفى بأبوة مصطنعة و قال بلهجة العارف المتبسط
-        عربي يا بني..... ربما لا تعلم لطبيعة انشغالك و عملك لكن هناك عمال كادحون من الصبيحة و هم يهذبون الأشجار ثم يأتي صبية همج و بدلا من مساعدتهم يسرقون فروع الأشجار و يلهون بها ليثروا ذعر المارة  و ينشروا  القذارة في المدينة .
-        اسمي أستاذ عربي    و لست ابنا لأحد إلا أبى ,   ربما لا تعلم لطبيعة انشغالك لكن تلك السيارات قاعها منخفض و من السهل أن تشتبك معها الأشياء الملقاة بإهمال على قارعة الطريق , و لو كان الرجال الذين يكدون من الصباح أزالوها كما ينبغي لما اشتبكت مع السيارة و لما اتهمت شعب أنت عامل لديه بالهمجية
-        أنا لست عاملا عند احد
-        بل عامل مادمت تقبض من خزانة مصر

أردت أن أصفه بالغباء و الصلف لكن عضو مجلس الشعب المنتفخ غرورا كطاووس اشار له بإصبعه فتبعه ككلب تعيس يخشى المطر.
بعد أسبوعين  فتحت الجريدة فوجدت خبر تعيين الأستاذ سعد محافظا لمحافظة بالوجه البحرى , رفعت السماعة و اتصلت بقريبي الأخر فقهقه ضاحكا و قال
- رجل يحسن الهدايا و التملق.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المنادى(قصة قصيرة )

طابور الحمير (قصة قصيرة)