اختطاف (( قصة قصيرة))


لم أشعر براحة  مثلما شعرت في هذه الطائرة , كان قائدها جد ماهر  و طاقمها بشوشين صبورين حتى مع طفل مزعج كان يجلس قريبا منى بينما  استغرقت أمه  غالب الوقت في النوم على كتفي و كلما ربت برفق عليها تنبهت فورا و ابتعدت بجسدها البض الدافئ عنى مما دفع الريبة إلى عقلي .

بدا أن حيلها استنفذت مع وجهي العابس  فأشاحت عنه إلى الجهة الأخرى و تشابكت عيناها مع شاب وسيم مفتول العضلات , ثم تبادلت مقعدها مع ولدها لتكون أقرب إلى الشاب , فأشحت أنا الآخر بنظري نحو النافذة , كان المنظر خرافيا بينما تمخر الطائرة طريقها  في سماء زرقاء  تتناثر فيها بعض سَحابات   تشبه كتل ثلجية تتناثر على سطح القطب  , حتى نصل إلى سحابة كبرى كجبل ثلج فنخترقها فتتناثر من حولنا كدخان مثير للدهشة و الراحة .



أفقت من تسبيحي في ملكوت الله على صراخ متواصل يملآ جنيات الطائرة , و بدأ أن الشاب الوسيم قد أماط  لثام الوله عنه  و انضم لرفاقه الارهابين , توقف الصراخ  بناءا على أمر الخاطفين و تحول إلى هدوء تقطعه نهنهة و سيل بكاء ينحدر على الخدود , كنت مشدوها فجلست متحجرا أشاهد ما يدور ما حولي كما لو كنت أطالع التلفاز .
   باغتت أنفى رائحة نشادر آمونيا معتقة تشبه رائحة مبولة لم تنظف منذ سنين , توقعت أن يكون مصدرها جارى الطفل المرتاع ,لكنني سعد بتشفي عندما رأيت ينابيعها من بين قدمي  أمه .


مرت لحظات خلناها دهورا من فرط رعبنا و ربما كانت دهورا و مرت علينا لحظات , بدت الأمور شديدة التعقيد  و كلما زاد تعقيدها زاد توتر و غضب و تهديد خاطفينا , و انتهت الأمور إلى تشدد الخاطفين و تعنت الحكومة  و اقتراب وقود الطائرة من النفاذ فصارت فكرة تفجير الطائرة و الانتحار في سماء القاهرة ارسخ في أذهان خاطفينا .

سقط في يدنا و اندفع الكثيرون في بكاء علني فهم في النهاية ميتون عاجلا أم آجلا , فيما بدا البعض أميل للتفكير في عملية انتحار مضاد , انتهت بعد قليل إلى صيغة التنفيذ عندما قفز راكبان بغتة  على ارهابى و سيطرا عليه فتبعتهما و قفزت على آخر و تبعنا آخرون حتى حذنا السيطرة على الطائرة و باغتناهم مستغلين استبعادهم  إقدامنا على خطوة مماثلة .

في المطار كانت الاحتفالات تعم أرجاء المدرج و كانت الحفاوة بنا في أوجها, لكنهم على شاشة التلفاز نسبوا فضل تحريرنا إلى فرقة مكافحة الإرهاب التي وقف قائدها مزهوا ينسج خيالا خطوات قامت به فرقته لتحريرنا.
شعر الكثيرون منا- أنا منهم - بالمهانة و الغبن , كان الغضب يعصف بداخلي فأخذني في دوامة جذبتني بعيدا عن الوعي , ثم أفقت في فراشي , كان الألم وحشا يفترس قولوني , و كانت الجزيرة تذيع خبر الطائرة في روايتين رسمية وأخرى  مناهضة شجعتها و نقلتها عن بعض الركاب تدحض تدخل فرقة مكافحة الإرهاب .
أطفأت التلفاز و أقسمت أن تخفف زوجتي من دسم طعامها  و أن أطفأ التلفاز قبل منامي 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المنادى(قصة قصيرة )

طابور الحمير (قصة قصيرة)