شرطة (5) ما بعد التنحى (3)
عدت و أخى و بيد كل منا سيخ حديد نعلم أنه لن يجدى نفعا أمام الرصاص و الأسلحة البيضاء و لكن هذا ما وجدناه فى المنزل للدفاع عن أنفسنا .
تحلقنا فى الليل البهيم حول جذع يحترق باعثا الدفء فى الأجساد المرتجفة من البرد القارص , فيما كانت الأرض الوحلة تكافح دون جدوى سيول السبت الماضى .
كانت لجنتنا الشعبية تضم مزارعين و سائقين و موظفين يمثلون منازل الشارع إلا أن اللجنة الكبيرة العدد كانت نادرا ما تلتئم حتى يمتطى عضو دراجته النارية مبتعدا عنا ثم يعود بعد حين ليخبرنا بما يستجد , كانت الأخبار كثيرة و متعارضة فى الأرقام أو الأماكن أو الشخوص , إلا أننا استطعنا التقين من صدق عدد من الأخبار التى بدا بعضها مرعبا كمحاولة سرقة البريد و البنوك , إلا أنها لم تكن أشد إزعاجا من زخات الرصاص التى تدوى فى فضاء المدينة مقترنة بنداءات الاستغاثة المنبعثة من مآذن المساجد .
مع الثانية صباحا تغير الحال الى النقيض , فتحول الهدوء الى ضجيج و الأمن الى رعب بفضل الديك أحد المساجين الهاربين من سجن المدينة و الذى اختار لسوء الحظ حينا كى يعث فيه فسادا , بين الفينة و الاخرى كنا نسمع طلقات رصاص تعقبها استغاثات من بعض الاهالى بعد سرقة سيارة او منزل , المدهش ان الديك كان معاقا .
بعد حين جاء المدد فى سيارة مدنية بداخلها بعض من ضباط الجيش الذين عادوا للمدينة للدفاع عنها ,سألونا عن الديك فأشرنا الى المقابر فانطلقوا نحوها ليعوى الرصاص من جديد .
كان صوت الرصاص يقترب فعلمنا ان الجيش يطارد الديك , لسوء حظنا توقفت المطاردة على مقربة منا و اندلعت المعركة , مع كل ثانية كان صوت الرصاص يزداد صخبا و علوا, مع كل ثانية كان مؤشر الخوف لدى يزداد ارتعاشا و رعبا حتى وجدت نفسى فجأة خلف شجرة مرتكزا بكفى على الأرض الموحلة , كانت دقات قلبى تعزف بوحشية فيما انهمر عرقى غزيرا ليلطف من حرارة وجهى المحمر رغم برودة الجو .
أفلت الديك من الكمين فانطلق الجيش فى إثره فهدأت العاصفة و تغلبت على خوفى , رفعت رأسى فلمحت رفاقى يحدقون بى فى صمت , كان بأعينهم مزيج من السخرية و الشفقة , قطع جارى رضا الصمت ساخرا
- حوش الذى وقع منك يا استاذ .
انخرط رفاقى فى نوبة ضحك مجنون الا أخى الذى رمقنى باستياء , لم أشعر بالخزى فى حياتى مثلما شعرت ,التقمتنى موجة ندم و القت بى الى بحر بلا شطآن .
تنبهت بعد حين على صوت طلقات رصاص , بدا الصوت اكثر صخبا عن المرة السابقة , كان مرد ذلك الى أن الجيش و الهارب يتقاتلان أمامنا مباشرة , لم أشأ أن أعطى رفاقى الفرصة لكى يسخروا منى مجددا , فجالدت نفسى و جزعها حتى انتصرت و بقيت واقفا رغم محاولات أخى لجذب يدى و دفعى للانبطاح .
استسلم الديك بعد ما استقرت رصاصة بكتفه فنهض رفاقى من رقدتهم , كانت وجوهم مصفرة يلطخها الطين , كنت أشعر بالسعادة لأننى ثبت وقت المحن بينما رقد رفاقى كمجموعة من المخنثين , كان وجه اخى الاكثر اصفرار و هو يقترب منى فى بطئ و معاناة ,ثم بدأ فى تحسس جسدى بيد مرتعشة ثم احتضننى بقوة , كان وجهى الاستغراب .... كل ما فى العالم من استغراب .... ماذا حل بكبيرى !!! .
جذبنى أخى من وجهى للخلف و أشار الى باب الدكان خلفى فلمحت فيه ثقبين خلفتهما رصاصتين مرتا لحسن الحظ بعيدا عن جسدى , كانت كل خلية فى جسدى ترتعد رعبا و ضعفا فاندفعت محتضنا أخى حتى لا يلحظ من حولى دموعى التى بدأت فى الهطول .
تعليقات