المنادى(قصة قصيرة )


ترنح جسده الضئيل على إفريز السيارة ,جمع أشعة الشمس و أودعها عينيه ,عبثت الريح بوجهه فأكلها بأنفه , تحرك لسانه الصغير بسرعة فائقة مناديا على ركاب جدد .


 كان عددنا مكتملا حين انطلقت بنا السيارة لكنه ود لو ضاعف عددنا , كان عفريتا لم يبلغ التاسعة ... لا يتورع عن الصعود على ظهر العربة و المشي عليه فكأنما يمشى على الأرض ..... يعرف كل حانوت على الطريق و كل من على الطريق يعرفونه , البذاءة تنضح منه قبل أن ينطقها ,ثيابه ممزقة... قذرة و متربة تظهر بعضا من بطنه للشتاء قارص البرودة ,  و برز من أنفه مخاط أزرق  فبدا منظره مقززا و مثيرا للغثيان  , كنت بحكم قربى من باب العربة اسمع سعاله المريع الذي كان لبرودة الفجر دور رئيس فيه .


كان يعشق الجدال و إفحام محدثيه, لا يتنازل عن مليم من الأجرة إلا إذا تنازل السائق عنه.

دلف إلى  الداخل عندما أوشكت العربة أن تخلو من قاطنيها و تأكد أنها لن تستقبل ركابا جددا , أخرج من جيبه سيجارة , نظر إليها في تلذذ و سعادة , طلب قداحة من جارى , أشعلها ... نفث دخانها فكأنما ينفث عن صدره همومه .... دنياه الموغلة في الكآبة.

كنت أعرف أن وراء الفتى مأساة ..... فقر مدقع..... إخوة كثر...... أب مزواج متكاسل ... أو غير ذلك من المآسي  .

كنت أوده أن يتوقف عن التدخين لكنني لم أطلب منه ذلك, كنت أعلم أنه سيسخر منى إن فعلت فصمت.


 كنت أعلم أن الأمر مثير للأسى.... فهناك ألوف من الأطفال مثله .... بلا تعليم ... بلا نظافة ....بلا أخلاق ..... بلا صحة ..... بلا براءة ..... بلا أمل    
                                          27/7/2001 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

طابور الحمير (قصة قصيرة)