الذئب (قصة قصيرة )
كتبت هذه القصة القصيرة للتعبير عن الغضب إبان دولة الظلم أيام مبارك
لكن ما أشبه اليوم بالبارحة و لهذا أعدت نشرها لكم
27/12/2012
لفحتني نسمة هواء باردة فاقشعر لها بدني فشددت
دثاري على أستنجد على الزمهرير , بدت المدافن من بعيد مقفرة و موحشة فتأبطت من سكونها شرا و لعنت حمقى
الذي اوقعنى في هذا المأزق .................. فمالي أنا بالذئاب و البنادق ؟!!!.
الغريب أن أهل قريتي لم يعيروني الاهتمام
اللائق بى حتى الليلة عندما قدموا إلى و حدثوني
عن الذئب الذي يفترس أنعامهم و يهدد أمنهم ورجوني أن اقتله .
إلى الآن لا أعرف كيف قلت لهم في حماس
-
فلتنسوا أمر الذئب من
الليلة.
اقتحمتنى العيون ساخرة فعدت لرشدي و تذكرت أنني
لا أستطيع قتل دجاجة و ارتجف من منظر الدم فتراجع اندفاعي الأرعن و قلت :
-
لكنني لا املك بندقية
و لم أمارس التصويب منذ أيام الجيش.
طالعتني الشماتة في عيونهم سافرة بلا قناع ,
لم يحاولوا استمالتي بالحجة والمنطق ... فما إنا في نظرهم إلا نكرة فقير بن نكرة
بن فقير من نسل فقراء نكرات , بل اكتفوا بوضع البندقية في يدي ثم دفعوني خارج منزلي
مصحوبا بآلاف الدعوات الكاذبة بالسلامة و النصر , كنت أدرك ما يعتمل في صدورهم
(( اضعف الإيمان سنتخلص من
احدهما ))
عاودت النظر من جديد للمقابر فاقشعر بدني مجددا
فنظرت خلفي استعطفهم أن يعفوني فقذفتني
نظراتهم الآمرة إلى ممر رفيع تحفه الحشائش من الجانبين و تخفيه حقول الذرة و القصب
عن العيون , كنت اجر قدمي من الرعب ككسيح بينما تمنعت الشاة التي جرحها القساة-
حتى يتبعها الذئب - عن السير إلى طريق
تدرك بغريزتها نهايته .
أكلتني دوامة الأفكار و عصفت بى ذكرياتي عن
الذئب في جب عميق ,لم أكن بحاجة لسماع حديثهم عن الذئب فلقد كنت أعرف أخباره و
أسعى لتسقطها كلما سنحت لي الفرصة , كان الذئب في البداية مثل أي ذئب , لكنه و
بمرور الأيام صار وحشا رهيبا تنسج حوله الأعاجيب , لكنني لم أكن مثلهم ميالا
للتضخيم من شأنه فهو حيوان لا يملك ما نملكه من ذكاء , لكنني في النهاية صرت مثلهم
بعدما رأيت الرعب في أعينهم و هم يتحدثون عن وقائعهم معه , فصار نهارنا عمل و
ليلنا خوف و رعب .
تيقظت مع نهاية الممر ,كانت السكينة تعم
المقابر و تضفى على الليل نوعا من الجمال المبهم و المخيف , حمدت الله أن سحب
الشتاء لم تحجب البدر فلست بحاجة لمزيد من الرعب , كنت اشعر بالبرد الشديد و كانت
التقلصات تعصف بوجهي في عنف بينما كانت الرعشة تجتاحني في جموح كانعكاس لحالة
الرعب و الغضب التي تملأني ,و كان السبيل الوحيد للهروب منها بالانشغال بأي شئ و
تسليط نشاطي عليه , فأمسكت البندقية و شرعت في تنظيفها كما يفعل المحترفون, لكنني
رغم ذلك لم أئد خوفي و لم أغفل عن جفاف حلقي الشبيه بحلوق المومياوات , لعنت جميع
من بالقرية .... أطفالها الأقذار و نساءها
الثرثارات و شواربها المتخاذلين..... لعنتهم جميعا و لعنت نفسي ..... لعنت نفسي و
لعنت حبيبتي و اندفع بعقلي خاطر داهم سيطر عليه
(( لو مت أتحب أحدا غيري؟
))
ابتسمت في أسى فلعلها مثلهم تبحث عن فرصة
للخلاص منى , شعرت بالشتات ثم هدأ عقلي لوهلة لكن خاطرا آخرا عكر عليه صفوه و بدد
راحته
(( ماذا لو هاجمني
الذئب من الخلف ؟))
تلفت حولي في فزع ,دارت عيني في محجرها و
تزايدت انفاسى متعاقبة كالشهب , ربطت الشاة في شجرة يغمرها ضوء مصباح و ركنت ظهري
إلى إحدى المقابر , تملكتني رغبة عارمة في نجاة الذئب نكاية في أهل القرية ليذيقهم
مر العذاب , تفتقت في ذهني فكرة ... حشوت البندقية و أطلقتها فارتعشت يدياى و صمت
اذناى و جن جنوني فأطلقتها أكثر من مرة حتى هدأت ثورتي فتذكرت أن الذئب قد يأتي و يخذلني
و لم تبق معي سوى بضع طلقات فارتعشت ساقي من هول المصير المرتقب .
تذكرت الموتى .... شعرت بالخزي لإزعاجهم .....
تخيلتهم يصرخون في... أحمق... مأفون ... اخرق , فعاودت قراءة السلام لهم كاعتذار
عما بدر منى .
سرت الريح في أشجار التوت فانبعثت قشعريرة
شريرة بجسدي شلتني عن الحركة و التفكير , باغتني نقيق ضفدع فارتعت , ضحكت ساخرا من
نفسي و من ضعفي فتمالكت نفسي , و حشوت بندقيتي و اقتربت من الشاة , طالعتني عيناها
الواسعتان الفزعتان كأنها ترجوني أن ارحل بها من المقابر , مسحت على عنقها في مودة
و عدت إلى موقعي .
مر الوقت على وئيدا رتيبا ثم حدثت الإثارة
فجاءة حين صك سمعي عواء ذئب فتوترت اعصابى ... تحفزت , أرهفت سمعي فلم يصله إلا
الصمت , زلزلني عواء قريب فتخبطت قدماي و تسارعت دقات قلبي و جف حلقي و غمرته غصة أشبه بخليط من النحاس و الثرى ,
فوقفت مشدوها ارقب الذئب يهاجم الشاة في شراسة , كنت مذهولا ... غائبا عن الوعي ,
تيقظت من غفلتي على استغاثة الشاة المجروحة , ارتعشت يدي و هي تضغط على الزناد
فطاشت الرصاصة الأولى , و أصبت الذئب في قائمه الخلفي مع الثانية فعوى في ذلة ,
حاول الهرب و فشل , لم أر ى في عينيه توحشا .... رأيت فيها ضعفا , دعوته للهرب فلم
يهرب و عوى في تخاذل و تكور , نزف كثيرا
كما نزفت الشاه , خارت قواه فجأة فأغمى عليه , اقتربت منه و بحثت عن موضع الرصاصة
, من حسن حظه أن الجرح كان ظاهريا و لولا
دمائه النازفة لهرب , شعرت بالأسى عليه .
تذكرت القرية فلعنتها و لعنت نفاقها و كذبها و
رياءها , ألقيت نظرة أخيرة على الذئب الجريح و شعرت بالراحة لنجاته , حملت الشاة
الجريحة كالكفن ثم ابتسمت في برود و صرخت
(( أنا قادم لكم أيها الأوغاد ))
26/10/1999
تعليقات