ثوب الملك و ثورة 25 يناير

كنت قد نشرت هذه التدوينة فى أكتوبر عام 2011 و أظن أن بها ما يستحق أن يعاد التذكير به 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يحكى في التراث العربى  أن أحد الملوك أراد أن يرتدى ثوبا لم يلبسه أحد غيره , فلم يجد حائك الملك بدا من الكذب فإدعى أن ثوب الملك مصنوع من خيوط الصدق و الحقيقة و لن يراها إلا الصادق و الأمين , و لم يملك أحد من حاشية الملك الجرأة ليخبره أنه عار خشية أن يتهم بالكذب و الخيانة , إلا رجلا حط على الجزيرة فاستضافه الملك و سأله عن ردائه فأجابه بأن الملك عار فاتهمه الملك بالكذب , فطلب الرجل من الملك أن يأمر الحائك أن يصنع له ثوبا من ذات الخيوط , فلم قدم الرجل على الملك سأله الأخير لماذا أنت عار فأجابه الرجل ألا ترى ثوبي المصنوع من خيوط الصدق و الحقيقة  فأدرك الملك على الفور الحقيقة .



و أخشى أن أكون ذات الرجل حين أقول أننا حولنا ثورة الخامس و العشرين إلى البقرة المقدسة التي عبدها قوم موسى من دون الله , فصار كل شئ ببركة ثورة 25 , حتى صرت أخشى أن يخرج علينا أحدهم من دورة المياه مؤكدا أن الأمور سارت معه بيسر و سهولة بفضل 25 يناير .

و المدهش أن لدى البعض اعتقاد جازم بأن الثورة شبيهة بخلع ثوب و ارتداء آخر جديد بلا رقع و لا بقع , فببركة الثورة ستختفي الرشوة و المحسوبية و ستكتسي الشوارع باللون الأخضر و تلتزم السيارات بآداب المرور و تتحول مصر في أقل من عام إلى مقرض لليابان و الولايات المتحدة الأمريكية  , وسيفوز منتخبنا بكأس العالم و ستحارب دول الخليج لإدخال رعاياها للعمل بمصر و ستخفض صوتها حين تحاول إلغاء نظام الكفيل بمصر!!!! .


أي سخف هذا !!!!!.... هو يلاشك أقل سخفا من بعض الشباب الذين خرجوا بعد ثورة 25 يناير مؤكدين أن الثورة لم تكن وليدة اللحظة بل هي نتاج تخطيط دام عشرات السنين و في راوية أخرى مئات السنين !!! , و حين قال لهم أحد العقلاء أن الأمر لم يعدوا سوى مظاهرة احتجاجا على وحشية الشرطة في تعاملها مع المواطنين و خالد سعيد الذي صار أيقونة تجسد الوحشية المفرطة للشرطة المصرية في تعاملها مع الشعب ثم ارتفعت المظاهرة مع مرور الأيام لتصير ثورة شعب انتفض ضد الظلم و انعدام العدالة الاجتماعية ,  هاج الشباب و اتهموه بأنه أحد فلول النظام السابق !!!!!.

لم أحب الرئيس السابق مبارك كما لم أحب سابقيه ناصر و السادات و أخشى أنني أشبه بمقولتي هذه بعض المدافعين عن التيار الاسلامى  حين يبدءون دفاعهم بجملة شهيرة و مكررة (( أقسم بالله أنني لست إخوانيا أو سلفيا )) , و لكنني  صرت مندهشا من التحول المفاجئ و الغريب من اختفاء الكثير من المقدمات المقدسة من قبيل أبو المصريين و السيد الرئيس راعى الرياضة و الرياضيين و الفن و الفنانين و الخبز و الخبازين و تحول الأمر إلى سباب علني و إدعاء البطولة بحديث مطول عن إدعاء باضطهاد ممنهج ضده لقصف قلمه أو تكميم فمه!!!! .

و أنا مع الرأي الغالب إن الرئيس السابق له مثالب لا تحصى و لاتعد و أنه أقل و أدنى من أن يحكم محافظة نائية , و لكنني لست مع الرأي الذي يقسم بأن الرئيس لم يتخذ قرارا واحدا صائبا طوال ثلاثين عاما قضاها على عرش مصر , و أخشى أن يتحول الرئيس المخلوع إلى مادة تاريخية تدرس لأبنائنا كما درسنا نحن أكاذيب عن الملك فاروق الفاقد لوعيه بين كئوس الخمر و نهود الغواني و المتآمر عن القضية الفلسطينية و الجيش المصرىفى حرب 48 , ليتضح بعد نصف قرن أن الرجل لم يشرب الخمر و أنه لم يكن مقدرا للجيوش العربية أن تنتصر على إسرائيل الأكثر عدة و عددا !!!!

أي سخف هذا !!!! حين يطالب البعض باستبعاد آخرين  لأنهم من عصر الرئيس المخلوع.... أقولها لهم كنصيحة أخوية ابدأ بوالدك فهو من عصر الرئيس المخلوع , و الغريب أن البعض لا يدرك أن هناك فوارق شاسعة بين العمل لدى الرئيس و العمل لدى مصر , فحتى الرئيس كان افتراضيا يعمل لدى مصر , و الأكثر غرابة أن يتصارع  رجلان على منصب فيتهم أحدهم الآخر بأنه من العصر البائد و كأنه وليد اليوم !!!!! .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المنادى(قصة قصيرة )

طابور الحمير (قصة قصيرة)