أدب المصارحة


علمني أبى أن أفضل طرق الفهم الصمت و الاستماع لكل الأطراف دون تحيز ثم إبداء رأيي في الأمر.

و لكن هذا التعليم لم يسر للأسف على الإعلام المصري و ربما كان السبب أن آبائهم ليسوا كأبي.

و أسوأ ما يمكن أن يقع فيه الإعلام أن ينحاز لطرف على حساب الحقيقة مفضلا أهوائه الشخصية.

فالإقرار بوجود مشاكل للأقباط تخص بناء دور العبادة  أمر محمود للإعلام المصري بدلا من النفي العقيم و الإصرار على الوحدة الوطنية التي لا تمرض و لا تشيخ بفعل الأزمات الطائفية الذي تصر على ترديده الحكومة التي تتباطأ  في إصدار قانون دور العبادة الموحد و تقنين دور العبادة  المسيحية المخالفة  مع إجراء إحصاء سكاني  دقيق و مستقل لغزا يستحق الدراسة و التأمل , فإذا كان بإمكانهم حل الخلافات و وأدها من الجذور فلماذا لا يفعلون !!!!

لكن الأداء الإعلامي  المتميز يتوقف عند ذلك الحد ,فالجناة دائما الحكومة , الشرطة , الإخوان , السلفيون , البلطجية , و المجني عليهم هم المسيحيون و هو الأمر الذي لا تأكده الوقائع في بعض الحوادث .

التميز الحقيقي للإعلام يبدأ بالإقرار بوجود معسكر صقور في كلا الطرفين و ليس على الجانب المسلم , التميز الإعلامي يبدأ من خلال إعلاء دولة القانون و العدل و المساواة بغض النظر عن العرق و اللون و الجنس و الدين , التميز الإعلامي  يبدأ حين يترك الصحفي و الإعلامي تحيزه بالمنزل ليذكر وقائع و يعلق عليها بما يتفق مع دولة المواطنة .

لكن الإعلام يرى أن المسيحيين  ينالون تعاطفا عالميا واسعا ينعكس مداه داخليا و هو الأمر الذي يجعلهم مكبلين إزاء انتقاد الكنيسة و إدارتها للأزمة أو انتقاد المسحيين و قادتهم حتى لا يعد ذلك من قبلهم إحدى الممارسات الطائفية و العنصرية .

و في ظل وجود تخوفات بعضها مبرر من الإعلام تجاه الإخوان و السلفيين و الجماعة الإسلامية فإن إلقاء اللوم على الجانب المسلم يكون سهلا كالقتل بدم بارد .

ففي اشتباكات الأقباط مع الأمن  في أحداث كنيسة العمرانية لم يتحدث الإعلام عن مخالفة الكنيسة  بالبناء دون ترخيص و إنما تحدثوا عن صعوبة  الحصول على تراخيص بناء كنيسة و عندهم الحق في ذلك , لكن لم يملك أحدهم الجرأة ليقول أن قطع شارع الهرم و محاولة اقتحام محافظة الجيزة جريمة, و أن من حرضهم على ذلك من تلك الكنيسة يجب أن يوقف و يتم استجوابه من أمن الدولة في التجمع كما كان يجرى مع نظرائه المسلمين  , و لكن الموقف الإعلامي المستكين تحول فأفرد مساحات كبيرة  للنقد و التأسف حينما حاول البعض اقتحام ذات المحافظة في جمعة هدم الجدار.

و مع كل علاقة  تجرى بين مسلم و مسيحية  تتحدث منظمات قبطية عن عمليات منظمة لاختطاف الفتيات المسيحيات و تحوليهم قسرا إلى الإسلام , و هو الأمر الذي يبدو قريبا للغاية من الصحة إذا حولنا الاختطاف إلى إغواء  و هروب, فالشاهد أن معظم المتحولين إلى الإسلام فتيات صغار السن تربطهن علاقة بمن أدخلهن إلى الإسلام , و هو ما يفضى إلى وجود تنظيم أو تنظيمات إسلامية متشددة وراء حوادث التحول إلى الإسلام , و رغم محاولة الأسر المسيحية الضغط عبر الخارج و الداخل إلا أن اللقاءات التي تمت بجهاز أمن الدولة بين الفتيات و أسرهن لم تفضي إلى عودة إحداهن إلى المسيحية في ظل إصرار الفتيات على البقاء في الإسلام مع أزواجهن المسلمين , رغم هذا إلا أن الإعلام لم يجرؤ ليصحح أو يعترض أو يناقش و اكتفى بتبني وجهة نظر تلك المنظمات .

لكن المثير للغرابة أن الإعلام لم يرى في وجود علاقة غير شرعية بين مسيحي و مسلمة أمرا يستحق التوقف و أكد أن الأمر مجرد علاقة رومانسية بين شاب قبطي و فتاة مسلمة , و هي العلاقة التي نشبت على إثرها أحداث هدم كنيسة صول و التي نسبت بعض مقاطع الفيديو ممارستها للسحر ضد أهالي القرية .

و رغم إعادة بناء  الكنيسة  إلا أن الأقباط قاموا بقطع طريق الاوتوستراد و إلقاء الحجارة و قنابل المولوتوف على السيارات العابرة و هو الأمر الذي أدى إلى توقف المرور ثم توجه جزء منهم إلى السيدة عائشة و هو ما استفز بعض المسلمين ليسقط قتلى  و جرحى من الطرفين , إلا أن الإعلام المرئي و المكتوب لم يكلف نفسه إلا بمتابعة الجنازات القبطية و كأن قتلى المسلمين ليسوا بشرا , كما لم يكلف نفسه بالحديث عن خطورة قطع المسيحيون للطرق .


و في حادثة كنيسة إمبابة تحدث الإعلام عن خطورة السلفيين , لكن أحدا لم يتحدث عن إطلاق السلاح من الكنيسة أو احتجاز  امرأة دون أرادتها بداخل الكنيسة لمجرد دخولها الإسلام , كما لم يكلف نفسه كالعادة بتتبع جنازة مسلمة كتتبعه للجنازات القبطية .

و ربما شذت أحداث ماسبيرو عما سبق بعض الشئ لوجود بعض  الإعلاميين المتملقين للجيش , إلا إن الغلبة جاءت كالعادة للطرف القبطي , فلا أحد أبدى انزعاجه من غلق طريق الكورنيش و مهبط الكوبري القادم من الجيزة و مضايقتهم للسيارات المارة رغم أنه كان أولى بهم أن يعتصموا في التحرير أو عبد المنعم رياض حيث تتواجد مقار معظم المحطات العالمية .

و قالت بعض المصادر أن يوم الغضب القبطي الذي دعي إليه القس فلوباتير جميل و آخرون منهم القس متياس الذي توعد محافظ أسوان بالضرب بالحذاء و القتل  و لم تحرك الحكومة ساكنا و تخيلوا لو كان القس أحد شيوخ السلفية ماذا كان سيكون رد الحكومة .

و قالت ذات المصادر بالإضافة إلى  قنوات إخبارية كالحرة و الجزيرة أن الأقباط بدءوا الاشتباكات و هو الأمر لا يملك أحد التأكد منه على نحو بالغ الدقة , كما أن تأكيد معظم الإعلام على  أن الجيش هو البادئ هو الآخر أمر  لا يملك أحد التأكد منه على نحو بالغ الدقة .


لكن الثابت و المؤكد أن سلمية المتظاهرين الأقباط تدحضها الحقائق, فبوجود لقطات فيديو لمتظاهرين يحملون عصى و حجارة استخدموها ضد الجيش و منها اللقطة الشهيرة لأحد المتظاهرين و هو يلقى بحجر كبير على جندي مختبئ داخل حاملة جنود مدرعة  ثم يهبط إلى داخلها ليجهز عليه , إضافة إلى احتراق بعض عربات الجيش بما يدل على استعمال الأقباط لقنابل المولوتوف و هو الأمر الذي أكد عليه الصحفي خالد صلاح صالح , أو ارتداء بعض الشباب لزى موحد كتب عليه شهيد تحت الطلب .

كما أن أعداد القتلى و الطريقة التي قتلوا بها تدل على استخدام مفرط للقوة على نحو لا يقبل .

المدهش إن الكنيسة سبب الخلاف لم تكن في الأصل كنيسة و إنما هي ثمرة احتيال بين  بعض رجال الكنيسة في تلك القرية و وموظفة قبطية و موظف مرتشي  لإقامة الكنيسة في مكان الجديد بغية الاستفادة لإقامة كنيسة أخرى بعد حين في المكان القديم , و هو الأمر الذي لم يكن ليحدث لو أقر قانون دور العبادة الموحد .

لكن المثير للدهشة أن الإعلام الذي يتحدث بلا كلل عن ضرورة سيادة القانون وقف كفيفا صامتا تجاه التحايل على القانون و لم يطالب بتحويل المزورين إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم .


فمتى يدرك الإعلام أن المحاباة لن تلطف الأجواء بل ستزيدها اشتعالا مع توهم البعض من الأقباط أن بإمكانهم الوصول إلى ما يطمحون إليه و أكثر من قبيل دولة مستقلة في الجنوب و هو الأمر الذي لا تعززه ديموجرافيا أو جغرافيا المكان , أو تحول مصر إلى دولة مسيحية و طرد الغزاة العرب كما يردد البعض , و هو الأمر الغير قابل للتطبيق تماما .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المنادى(قصة قصيرة )

طابور الحمير (قصة قصيرة)