(( إلى الوطن مع حبى )) (قصة قصيرة )


 

فى المساء تجمعت العائلة على غير العادة ,فتركت البنت دراستها فى أسيوط , و حضر الإبن الأكبر مصطحبا زوجته و إبنه, كان الكل فى إشتياق لمشاهدة التسجيل الذى أرسله الإبن الأصغر من أمريكا , و رغم وصول الشريط منذ أيام إلا أن الأم لم تسمح لأحد – حتى نفسها- بمشاهدته إلا فى إجتماع العائلة , كانت ترى فى الشريط الفرصة المثلى للم الشمل , فإجتهدت فى المطبخ منذ الصباح لإمتاع العائلة بما لذ و طاب من الطعام , إلا أن الجميع فاجأوها بالعزوف عن الطعام , نفذ صبر الأب فصاح يدعوها لمشاهدة الشريط , هرولت الأم إلى البهو حاملة طبق الحلوى ثم وضعته بجوار إخوته و جلست ,دار الشريط و ظهرت صورة الإبن الغائب الذى تحدث عن شوقه و حنينه لمصر و دفء العائلة , و رغم ضحكاته و إبتساماته إلا أن الجميع شعر بما يخفيه وراء ذلك من ألم و مرارة , لم تستطع الأم التماسك حين وجه الإبن حديثه إليها فهرولت و إختبأت فى الحمام منتحبة , لم يكن بكاؤها لمرارة الفراق بقدر ما كان لقسوة الحياة , فلو كانت الحياة عادلة لتبادل ولداها المكان , فبقى بجوارها الغائب بدلا من الحاضر الذى لا تراه إلا مطلع كل شهر , لحق بها الأب و قرع الباب دامعا يدعوها للخروج و الصبر , هو مثلها يشعر بذات الشعور مضيفا إليه من عنده الشعور بالقهر , فلو كان واسع الحيلة و النفوذ لما إستطاعوا حرمان ولده من تفوقه , و لو كان الوطن لا يأكل أولاده لكان ولده أستاذا بجامعة وطنية , تكوم الرجل باكيا أمام الباب , سمعته إمراته فخرجت إليه و إنكبت عليه تعانقه و قد إختلطت دموعهما ثم غفا ألمهما فعادا للبهو من جديد.



لقطات الشريط تترى من جديد , توقف الإبن بسيارته فى إحدى محطات الوقود , إندفع الحديث من فمه سريعا ... مؤثرا ... مليئا بالنوادر و البسمات , لكنه لو ترك لقلبه الحديث لأبكاهم , ماذا يقول لهم ؟, أيقول لهم أنه لا يشعر بلذة للمال و المجد العلمى و إنما يشعر بالمرارة , المرارة من الوطن الذى إلتقمه ثم لفظه فضلات , الوطن الذى لن يفتح له ذراعيه صارخا ((ولدى )) إلا عندما يصبح زويلا آخرا , أيحدثهم عن العنصرية ؟ منذ حادثة لوس الوموس و هم يطاردونه و هو بدروه يصرخ فيهم أنا عربى و لست صينيا , لكن لا يهم , فلو كان صينيا لكان أفضل , و لو كان يهوديا لكان أعظم , أستاذ فى الفيزياء النووية .... أمر يحملهم على الضحك و التندر , فالعرب لم يخلقوا إلا للعناية بالإبل و الشاء , أيحدثهم عن الزوجة التى لا تفرق –ككل الأمريكيين- بين الصليب و نجمة داود , الزوجة التى تفصل بين الحب و ممارسة الجنس مع الاخرين؟ أيحدثهم عن كل ذلك ؟ لا .... ليضحكهم افضل .



و فكرت البنت كم سيكون محبطا لصديقاتها و مثيرا لحسدهن و حقدهن لو أهداها أخوها ثوب زفاف أمريكى الصنع لترتديه فى حفل قرانها القريب , و لو اضاف إلى الثوب برقية من العلامة المقيم بأميركا تتلى عبر مكبرات الصوت على الحضور فستكون الليلة شدية الكمال , و لو دعاها لتمضية شهر العسل بامريكا فسيكون ذلك أجمل هدية تتلقاها فى الحياة , و لما لا يفعل ذلك و هو يملك من النقود الكثير .



و نظر الإبن الأكبر لزوجته و زفر فى ضيق , من كان سيصدق أن الحياة سترغب أخاه بعد أن صدته طويلا ؟ , هو مثله استاذ و باحث فذ , لكنه لا يعيش فى أمريكا , و لو كان لحصد مثله ألوف الدولارات و لإمتلك سيارة بدلا من الإختناق فى الحافلات العامة ,و لكان له زوجة مثلة بيضاء جميلة و مثيرة بدلا من زوجته الكئيبة التى بذلت أكبر الجهد فى سبيل إبعاده عن أهله, إبتسم فى إرتياح فنجاح أخيه سيعود عليه بالفائدة , فهو لن يطالب بإرثه حين يحين الأجل بعد كل ما جناه من ورق أخضر.



إلتقطت الأمريكية طرف الحديث جامعة بين الإنجليزية و بضع كلمات عربية كانت تنطقها بطريقة تثير الضحك و السخرية كى تبهرهم بذكائها , ثم أظهرت على حين غرة طفلتها الرضيعة عائشة ....هديتها اليهم , لولا خشيتها من حزن زوجها لما أرهقت نفسها بالحديث إلى أولئك الأجفال الذين سرقوا حضارة سبعة قرون بناها اليهود على سواعدهم و نسبوها لأنفسهم , لكنها لن تكون غبية لتذهب بطفلتها لزيارتهم , فلو فعلت لأجروا لعائشة عملية ختان وحشية كالتى رأتها على شاشة السى إن إن, حتى زوجها لا تفهمه فى أحيان كثيرة , هو حنون محب و يعاملها أفضل من الكثير من الأمريكيين , لكنه يحمل فى داخله جنون و شبق شهريار حتى و إن لم يبد عليه ذلك .



بكى الطفل فجأة و زكمت رائحة برازه انوف الجميع فإلتقطته أمه و هرولت إلى الحمام صارخة فيهم لإيقاف الشريط ,تأملت طفلها و تمنت أن تكون عائشة و نقود أبيها من نصيبه ليعوض حظ أمه العاثر , فلو كان الحظ حليفا لها لكانت زوجة لعمه- او من يماثله فى الثراء-فخضع ماله الوفير لسلطتها و لإبتعدت عن الشجار مع حماتها التى لا تؤمن بمرور الزمن و تبدل الأدوار ,افاقت من أحلامها فجففت طفلها و أسرعت إلى البهو ثم عاود الشريط الدوران.



تمت



14/9/2000

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المنادى(قصة قصيرة )

طابور الحمير (قصة قصيرة)